بينما يرى المراقبون أن العالم يتجه نحو التعددية القطبية، يعتقد المستثمرون أن الأسواق أصبحت أكثر أحادية. هذا التناقض بين السياسة والاستثمار يبرز طبيعة الأسواق اليوم كـ “لعبة صفرية”، حيث لا مكان إلا للاعب واحد مهيمن.
الهيمنة الأمريكية في الاستثمار
رغم الحديث عن تراجع القوة الأمريكية، يرى المستثمرون أن مصطلح “الاستثناء الأمريكي” لم يكن أكثر حضورًا. يلتزم المستثمرون العالميون بتوجيه رأس المال نحو الأسواق الأمريكية، التي تستمر في التفوق على الاقتصادات الأخرى، ما أدى إلى تضخم غير مسبوق في قيمتها مقارنة بالأسواق العالمية.
صعود أسواق الأسهم الأمريكية
تمثل الولايات المتحدة الآن 70% من مؤشر الأسهم العالمي، مقارنة بـ 30% فقط في الثمانينيات. وقد بلغت التقييمات النسبية للأسهم الأمريكية أعلى مستوياتها التاريخية، ما يجعل السوق الأمريكية استثناءً واضحاً في مشهد الاستثمار العالمي.
هوس عالمي بالأسواق الأمريكية
الأسواق الأمريكية لم تعد مجرد وجهة استثمارية، بل أصبحت هوسًا عالميًا. في كل مكان، من مومباي إلى سنغافورة، يتجه المستثمرون لشراء الأسهم الأمريكية، حيث يعتبرها الكثيرون الخيار الوحيد الجدير بالثقة، ما يعزز الفجوة بين الولايات المتحدة وبقية العالم.
تأثير العوامل السياسية
تعزز السياسة الأمريكية، مثل خطط دونالد ترامب لخفض الضرائب وتقليل اللوائح، جاذبية الأسواق الأمريكية. فهذه السياسات تزيد من تدفق رؤوس الأموال نحو أمريكا، مما يعزز مكانتها كوجهة استثمارية أولى في العالم.
العلاوة الأمريكية مقابل الاقتصاد العالمي
تحتل الولايات المتحدة مكانة استثنائية في أسواق الأوراق المالية العالمية، حيث تمثل حصة أكبر بكثير من حصتها في الاقتصاد العالمي، والتي تبلغ 27% فقط. وعلى الرغم من النمو الاقتصادي السريع في الدول النامية، تظل الأسواق الأمريكية الأكثر جذبًا لرؤوس الأموال.
تدفق رأس المال إلى الأسواق الأمريكية
في عام 2024، شهدت الولايات المتحدة تدفقات مالية ضخمة نحو ديونها وأسواقها الخاصة، بما يعادل تريليون دولار سنويًا. هذه التدفقات تضع الولايات المتحدة في موقع مهيمن، حيث تستحوذ على 70% من الاستثمارات العالمية.
انعكاسات الهيمنة الأمريكية على الأسواق الأخرى
بدلًا من أن تعزز السوق الأمريكية الأسواق الأخرى كما في الماضي، أصبحت الآن تمتص رؤوس الأموال من الأسواق الأصغر. يؤدي هذا إلى إضعاف العملات، ورفع أسعار الفائدة، وتباطؤ الاقتصادات المحلية، ما يجعل أساسيات الأسواق الأخرى تبدو أضعف بكثير.
هل نحن أمام فقاعة؟
رغم قوة الأسواق الأمريكية، يرى البعض أن هذا التفوق يعكس فقاعة استثمارية محتملة. مع ارتفاع قيم الأسهم الأمريكية بشكل مبالغ فيه، قد يكون هذا الصعود مقدمة لتراجع غير متوقع. وكما هو الحال مع جميع الفقاعات، يصعب التنبؤ بموعد انكماشها أو الأسباب التي ستؤدي إلى ذلك.
خاتمة
الهيمنة الأمريكية على الاستثمار العالمي هي سيف ذو حدين. فرغم الفوائد التي تجنيها الولايات المتحدة من تدفقات
رأس المال، فإن الاعتماد المفرط على السوق الأمريكية قد يجعلها أكثر
عرضة للتقلبات. ويبقى السؤال: إلى متى ستستمر هذه الهيمنة؟ وهل ستؤدي إلى أزمة عالمية جديدة؟
شراكة استراتيجية بين “بروج” وجامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي لتعزيز الابتكار