أجرت “الإمارات بالعربية” لقاء صحفي مع السيد نور الدين صلاح، عضو المجلس المركزي لحزب المؤتمر السوداني، وتناول اللقاء عدد من المحاور حول اتفاق السلام السوداني الذي وُقِّعَ يوم الأحد الماضي، بخلاف التعرف و تسليط الضوء على الدور الذي لعبته دولة الإمارات العربية المتحدة من أجل إتمام عقد هذا الاتفاق.
وجاء الحوار مع السيد نور الدين صلاح حول النقاط التالي:
العالم بأجمعه تابع في الفترة الأخيرة الخطوات الجادة نحو اتفاق السلام السوداني، والذي أنهى سنوات الحرب الأهلية الطويلة بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة، والذي وُقِّعَ في جوبا عاصمة جنوب السودان، بدعم ورعاية دولة الإمارات العربية المتحدة.
ما هي طبيعة الصراع الذي كان سببًا في تلك السنوات الدامية؟ ومن أطرافه الحقيقيين؟
السيد نور الدين صلاح إن تاريخ الحرب له جذور ضاربة في التاريخ السوداني الحديث. فأول صوت للبندقية كان في العام ١٩٥٤، أي قبل الاستقلال بعامين. وهكذا، بدأت الحرب في جنوب السودان الذي انفصل لاحقاً، ثم بدأت تنتشر في الأقاليم الأخرى.
ومن المعلوم أن السودان دولة متعددة ثقافياً وعرقياً ودينياً، وبالتالي ظلت المشكلة الكبرى تتمثل في كيفية إدارة الثراء الثقافي الذي يشهده السودان، خاصة وأن هناك الكثير من السودانيين من يعتقدون أن هذه الدولة لا تمثلهم ولا تعبر عن هوياتهم.
هذا بالإضافة إلى غياب واضح للتنمية المتوازنة والتمثيل على مستوى السلطة باختلافها. كما أن الدولة تتمتع بمركزية تعبر عن مجموعات محددة داخل الدولة فقط. ومن ثم، بدأت دوائر الحرب تنفجر رويداً رويداً، وكلما قلت القواسم المشتركة مع مركز الدولة، كان دوائر الحرب تتسع إلى أن وصلت لدرجة يصعُب السيطرة عليها.
إذن، كانت هناك محاولات قديمة عبر التاريخ السوداني لحل تلك الخلافات بأنواعها، وكذا محاولات لدمج من يشعرون بالاختلاف داخل الدوله السودانية، أليس كذلك؟
السيد نور الدين صلاح: بالطبع كانت هناك محاولات منها: اتفاقية أديس ابابا في العام ١٩٧٢ في عهد الرئيس جعفر نميري، ثم تلتها العديد مكن المحاولات سواءً في الديمقراطية الثالثة او عهد نظام البشير.
ولكن غالبية تلك المحاولات لم تستطع الاجابة بشكل كامل على أسئلة الحرب ومبرراتها، وربما يرجع ذلك لغياب الثقة المتبادلة وعدم الالتزام الكامل بما تنصه هذه الاتفاقيات، وهذا ما نأمله ونعمل على أن نتلافاه في سودان ما بعد الثورة.
ما دلالات توقيع اتفاق جوبا في ذلك التوقيت بالتحديد؟ وما أهم الشروط التي اتفق عليها الأطراف الموقعة؟
السيد نور الدين صلاح: يأتي اتفاق جوبا في مرحلة مهمة، وهي مرحلة الثورة السودانية والتغيير العظيم والملهم الذي شهده السودان، مما يعطيه قوة أكثر والتزاماً أوضح من كافة القوى المشاركة فيه.
وبالنسبة لأهم ما تناوله الاتفاق فتتضح في القضايا القومية المتعلقة بإدارة الدولة من حيث توزيع السلطة والفيدرالية المالية والتمييز الإيجابي لمناطق الحرب، خاصة فيما يتعلق بالخدمات المقدمة من الدولة، بالإضافة إلى كيفية دمج قوات قوى الكفاح المسلح في القوات النظامية لدولة السودان.
توحد الحركات السودانية
جميعنا يعلم أن الاتفاق وُقع بين الحكومة السودانية وعددٍ من الحركات المسلحة مثل حركة جيش تحرير السودان، جناح أركو مناوي، وحركة العدل والمساواة، والحركة الشعبية جناح مالك عقار، بينما تغيبت حركتا تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور، والحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو عن توقيع اتفاق السلام.. فلماذا؟!
السيد نور الدين صلاح: بالنسبة للحركة الشعبية بقيادة عبد العزيز الحلو، فإن لها مطالب أراها في اعتقادي تهتم بالصياغة بعيداً عن الجوهر والمعاني. فقائد الحركة السيد عبد العزيز الحلو يتحدث عن علمانية الدولة في وقت تنص فيه الوثيقة الدستورية بوضوح على أن تقوم الحقوق على أساس المواطنة دون تمييز. وإلى جانب ذلك.
أقر اتفاق جوبا بفصل مؤسسات الدولة وتمييزها بعيدًا عن أي أسس دينية. وعموماً في أقل من شهر واحد، جرى لقاءان بين رئيس الوزراء السوداني السيد عبد الله حمدوك والسيد عبد العزيز الحلو، وهذا الأخير جمعه لقاء يوم الأحد الرابع من أكتوبر الجاري مع تحالف الحرية والتغيير. وعليه، أتوقع أن يكون هناك استئناف للتفاوض في وقت قريب.
أما بالنسبة لحركة تحرير السودان بقيادة السيد عبد الواحد نور، فيقول السيد عبد الواحد نور أن لديه مبادرته التي تركز على المشكلة السودانية الأساسية، والتي يريد طرحها في الخرطوم. وعموماً نحن في انتظار أي خطوة إيجابية منه، ومتي ما كانت سنرد التحية بمثلها وأفضل منها.
ما هي ملامح المرحلة الجديدة التي من المتوقع أن تشهدها السودان بعد توقيع اتفاق السلام؟
السيد نور الدين صلاح: المسألة الأهم الآن هي معالجة المشكلات الاقتصادية القائمة والتي تمس حياة المواطنين، ثم يلي ذلك الإنفاذ التام لاتفاق السلام وفق جداوله الزمنية. كما سيستوجب استكمال التعديل الوزاري الذي أقره رئيس الوزراء السوداني السيد عبد الله حمدوك.
وتم تأجيله بسبب انتظار التوقيع النهائي على اتفاق السلام. هذا فضلاً عن مسألة استكمال بناء مؤسسات الحكم المدني وعلى رأسها تشكيل المجلس التشريعي الانتقالي.
بعد توقيع الاتفاق، متى نتوقع تنفيذ التوقيف الفعلي للحروب التي امتدت لسنوات طويلة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وخلفت آلاف الضحايا واللاجئين؟
السيد نور الدين صلاح: أساساً الحرب متوقفة منذ فترة طويلة، وذلك نتيجة إعلان وقف النار المعلن من قبل جميع الاطراف منذ تكوين حكومة الثورة الانتقالية. كما أن هناك مصفوفة زمنية مُلحقة بالاتفاق وفيها تم تفصيل كل المهام وتحديد المسؤليين عن إنفاذها.
أهم ما تضمنة الأتفاق طبقا للسيد نور الدين صلاح
هل يضمن الاتفاق عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، بعد أن أدت الحروب الطويلة إلى هجرة ونزوح حوالي 3 ملايين لاجئ ونازح داخل وخارج البلاد؟
السيد نور الدين صلاح: الاتفاق أفرد حيزاً كبيراً لقضايا النازحين واللاجئين في سبيل عودتهم لمواطنهم الأصلية. كما تحدث عن برامج تنموية تكفل لهم العيش الكريم وتوفير فرص عمل والنهوض بهم اقتصادياً بالإضافة إلى إعمار ما هدمته سنين الحرب الطويلة على صعيد البنية التحتية.
ماذا عن الإصلاحات في المؤسسة العسكرية التي نص عليها الاتفاق، ما أهم الإصلاحات المتفق عليها؟ وما هي الضمانات الفعلية لتنفيذ هذه الإصلاحات؟
السيد نور الدين صلاح: بالطبع، اتفاق جوبا تحدث عن عمليات دمج واستيعاب قوات قوى الكفاح المسلح في القوات النظامية، بالإضافة إلى كيفية دمج المسرحين منهم في المجتمع المدني. لكن تظل المسألة الأهم هي عملية إعادة بناء القوات النظامية على أسس جديدة، وفق عقيدة قتالية تضمن قوميتها ومهنيتها وانتمائها الوطني العابر لكل الانتماءات الضيقة.
ويظل الضامن الأكبر هو الشعب السوداني، وتغليب المصلحة الوطنية، والقضاء على مسببات التهميش، ونشر ثقافة السلام وقبول الآخر، ومعرفة أن الخاسر الأكبر من أي حرب هم السودانيون أنفسهم.
ما الهدف من إنشاء صندوق جديد بقيمة 750 مليون دولار سنويا على مدار عشر سنوات لمناطق الجنوب والغرب الفقيرة؟
السيد نور الدين صلاح: الهدف من جميع المبالغ المخصصة هو الوصول إلى مرحلة التوازن التنموي، خصوصاً أن آلة الحرب قد عطلت التنمية، وجعلت الدولة تتوقف عن القيام بواجباتها في مناطق الحرب. وبالطبع، فهذه المبالغ لن تكون على حساب نصيب هذه المناطق من حصتها في الإيرادات القومية.
نور الدين صلاح دور هام للإمارات في السودان
لعبت دولة الإمارات العربية المتحدة دورًا كبيرًا في إتمام هذه الاتفاق، ما هو ملامح الدور الذي لعبته دولة الإمارات بالتحديد تجاه إتمام هذا الاتفاق التاريخي؟
السيد نور الدين صلاح: لقد ظلت دولة الإمارات العربية الشقيقة تلعب أدواراً كبيرة منذ الأيام الأولى لانتصار الثورة السودانية، وظلت تؤكد وتُهيأ على أهمية مسارات التفاوض بين قوى الثورة والمجلس العسكري وصولاً إلى اتفاق السلام الأخير.
ولقد كانت دوماً تقف إلى جانب الشعب السوداني اقتصادياً، لا سيما في الأشهر الأولى من انتصار الثورة. وبالتالي كان دعمها ملحوظاً في مؤتمر أصدقاء السودان.
وبكل تأكيد، لا ننسى دورها الإنساني إبان جائحة كورونا وخلال كارثة الفيضانات الأخيرة. وهذه مسألة ليست بغريبة على الشعب الإماراتي في إطار العلاقات القوية والتاريخية التي تجمع بين الشعبين (السوداني والإماراتي.
ما تقييمكم للدور الذي تلعبه دولة الإمارات الشقيقة بصفة عامة تجاه عمليات السلام في منطقة الشرق الأوسط؟
السيد نور الدين صلاح: ظلت دولة الإمارات العربية المتحدة بحكم ثقلها السياسي في المنطقة والإقليم تلعب دوراً رائداً في سبيل حفظ الامن والسلم الاقليمي والدولي. والآن، فقد خطت الإمارات خطوة متقدمة في سبيل الوصول إلى هذا الهدف عقب توقيعها اتفاق السلام مع إسرائيل شهر سبتمبر الماضي.
خصوصاً أنها أكدت التزامها بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، والتزامها بالمبادرة العربية المُقرة في قمة بيروت 2002، وفي النهاية، أعتقد أنها تستطيع فعل كل ذلك، لأنها تسعى إلى ضمان الاستقرار والسلام في المنطقة بالأساس.