تُعد الشيكولاتة من أكثر الأطعمة المحبوبة عالميًا، فمذاقها الساحر يرافق لحظات الفرح والتدليل لدى الملايين حول العالم. لكن خلف هذه الحلوى المحببة، تقف صناعة الشيكولاتة ضخمة، تدور فيها مليارات الدولارات، وتخفي في طياتها مفارقات اقتصادية واجتماعية وإنسانية لافتة.
سوق صناعة الشيكولاتة: أرباح بالمليارات
يُقدر حجم سوق صناعة الشيكولاتة عالميًا بمئات المليارات. وتفاوتت التقديرات الحديثة، حيث قدّرت “Mordor Intelligence” قيمة السوق بـ109 مليارات دولار عام 2024، بينما رفعتها “Statista” إلى أكثر من 254 مليار دولار، وتوقعت “MarkNtel Advisors” أن تبلغ نحو 441 مليار دولار خلال العام ذاته.
الاستهلاك العالمي: شغف لا ينتهي
يستهلك العالم نحو 7.5 ملايين طن من الشيكولاتة سنويًا، أي بمعدل يقارب كيلوجرامًا للفرد. وتتصدر سويسرا قائمة الدول الأكثر استهلاكًا للفرد (8.8 كلغ سنويًا)، تليها النمسا وألمانيا، بينما لا يتجاوز استهلاك الفرد في دول مثل الصين وجنوب أفريقيا حاجز الكيلوغرام الواحد.
رغم أن الولايات المتحدة تمتلك أكبر سوق من حيث القيمة، بحجم يفوق 53 مليار دولار، إلا أنها تحتل المرتبة الـ18 عالميًا في استهلاك الفرد من الشيكولاتة، بمعدل يبلغ 4.4 كلغ سنويًا.
لماذا نحب الشيكولاتة؟
أشارت أبحاث شركة “Barry Callebaut” إلى أن الشيكولاتة تثير الحواس الخمس كافة، ما يجعلها تجربة حسية متكاملة. وتُظهر الدراسات أن 50% من المستهلكين يتناولونها كمكافأة لأنفسهم، و45% بحثًا عن لحظة من الترف.
تظل الشيكولاتة بالحليب الخيار الأكثر شعبية عالميًا بنسبة 48%، تليها الشيكولاتة الداكنة بنسبة 28%، ثم البيضاء بـ15%، بينما تحظى الشيكولاتة الوردية (الياقوتية) بإقبال لا يتجاوز 3%.
تحتوي الشيكولاتة على أكثر من 800 مركب كيميائي و400 رائحة مختلفة، ما يجعلها من أغنى المواد العطرية في الطبيعة، حتى مقارنةً بالزهور. كما أنها غنية بمضادات الأكسدة وهرمونات السعادة مثل السيروتونين والدوبامين.
من مشروب روحي إلى صناعة عالمية
يعود استخدام الكاكاو إلى حضارة الأولمك في أمريكا الوسطى منذ أكثر من 4,000 عام. واستخدمه الأزتك كمشروب مقدس ووسيلة دفع. أما أول لوح شوكولاتة صلب فصُنع في بريطانيا عام 1847، فيما قدم السويسريون شوكولاتة الحليب لاحقًا في سبعينات القرن التاسع عشر. وساهم اختراع ماكينة “الكونش” على يد رودولف ليندت عام 1879 في منح الشيكولاتة قوامها الناعم المميز.
تحتاج صناعة كيلوغرام واحد من الشيكولاتة إلى نحو 800 حبة كاكاو. وتعتبر شجرة الكاكاو من المحاصيل الحساسة التي تفقد بين 30% و40% من إنتاجها سنويًا بسبب الأمراض والآفات. وتُعد ساحل العاج وغانا الموردَين الرئيسيين للكاكاو عالميًا، بنسبة تتجاوز 50% من الإنتاج العالمي البالغ 5 ملايين طن متري سنويًا.
مفارقة مرة.. المزارعون لا يتذوقون إنتاجهم
رغم دورهم المحوري، فإن العديد من مزارعي الكاكاو في أفريقيا لم يتذوقوا الشيكولاتة يومًا بسبب تدني أجورهم وغياب العدالة في سلاسل التوريد العالمية.
تتصدر دول مثل ألمانيا، بلجيكا، وهولندا صناعة الشيكولاتة وتصديرها. وتدير شركة “Barry Callebaut” أكبر مصنع في العالم بمدينة “ويز” البلجيكية، بإنتاج يصل إلى 1,000 طن يوميًا.
تتصدر “Mars Inc” قائمة شركات الشيكولاتة العالمية من حيث الإيرادات، تليها “Mondelēz”، و”Ferrero”، و”Hershey”، و”Nestlé”، وجميعها تحقق أرباحًا ضخمة رغم ارتفاع تكاليف المواد الخام.
ارتفاع الأسعار: الأسباب والمآلات
سجلت أسعار الكاكاو مستويات تاريخية تجاوزت 7000 دولار للطن بسبب ضعف المحاصيل والتغير المناخي. كما ساهمت زيادة أسعار السكر في ارتفاع كلفة الإنتاج، مما ينذر بموجة جديدة من الارتفاع في أسعار صناعة الشيكولاتة عالميًا.
الشيكولاتة الأغلى في العالم
تُعد شوكولاتة “La Churosa” من شركة Attimo الأغلى عالميًا، بسعر يصل إلى 8,060 دولارًا للكيلوغرام. بينما بيع لوح شوكولاتة من إنتاج “كادبوري” وُجد في رحلة استكشافية للقطب الجنوبي في مزاد بسعر 840 جنيهًا إسترلينيًا.
تعرف المزيد على: مصر: مصرع وإصابة 7 في انهيار عقار نور الشريف
هل الشيكولاتة مهددة بالانقراض؟
مع تزايد آثار التغير المناخي، تشير بعض الدراسات إلى احتمال اختفاء شجرة الكاكاو بحلول عام 2050، ما قد يُنهي وجود أحد أكثر الأطعمة عشقًا وانتشارًا في العالم، وبالتأكيد في هذا الوقت سيكون نهاية صناعة الشيكولاتة.