في ظل تنوّع الثقافات وتطور وسائل الإعلام، تبرز اللهجة الإماراتية كرمز مهم من رموز الهوية الوطنية. وبينما يعتقد البعض بأن لهجات الخليج متشابهة ولا فرق بينها، فإن المتأمل عن قرب في اللهجة الإماراتية يكتشف خصوصيتها وتفاصيلها الدقيقة، سواء في المفردات أو النطق أو حتى أسلوب التخاطب. ومع تسارع التغيرات الثقافية وانتشار المنصات الرقمية، باتت اللهجة الإماراتية بحاجة إلى حماية حقيقية من التشويه والاستغلال السطحي، مما دفع الجهات المعنية إلى سنّ سياسات تحافظ على نقاء هذه اللهجة وضمان تمثيلها الصحيح.
تنوّع اللهجات الإماراتية: جغرافيا وهوية
لا تقتصر اللهجة الإماراتية على نمط واحد موحّد، بل هي عبارة عن طيف واسع من اللهجات المتنوعة التي تختلف من منطقة إلى أخرى داخل الدولة. هذا التنوع لا يُعد تشتتًا، بل هو انعكاس طبيعي للتوزيع السكاني والجغرافي والثقافي في الإمارات، وهو ما يمنحها طابعًا غنيًا ومتفردًا.
أبرز أنواع اللهجات في الإمارات تشمل:
- لهجة الحضر في الساحل الغربي: وهي لهجة متأثرة بالتجارة البحرية وعلاقات السكان مع شعوب الخليج والهند وبلاد فارس.
- اللهجة الظبيانية: نسبة إلى العاصمة أبوظبي، وتميل إلى البساطة واستخدام مفردات مستقرة.
- لهجات المدن الكبرى مثل دبي، الشارقة، عجمان، أم القيوين، ورأس الخيمة، وهي قريبة من بعضها وتُعرف بسرعة تداولها في الإعلام والسوق.
- لهجة بدو الإمارات: وتتميز بمفردات بدوية خالصة وعربية فصيحة، وتُستخدم في المناطق الصحراوية.
- لهجات المناطق الجبلية: تنتشر في دبا، وكلباء، ومسافي، وتختلف في بعض المفردات والنطق عن لهجات الساحل.
رغم هذا التنوع، توجد كلمات ومصطلحات تعتبر مشتركة وشائعة بين الإماراتيين، مثل
الكلمة | معناها |
حصلان | مريض |
غبشة | وقت الفجر |
خقّاق | مغرور |
أروم | أقدر |
فوالة | ضيافة |
الرمسة | الكلام |
شارد | هارب |
أزاعج | أصرخ |
شبريّة | سرير |
طاف | تجاهل الأمر |
ومن الخصائص التي تميز اللهجة الإماراتية، استخدام حرف “الجيم” في نهاية بعض الكلمات عند مخاطبة الإناث، مثلًا: “شحالك؟” للرجل و”شحالج؟” للمرأة، مع نطق “الج” بصوت قريب من “تش” في بعض المناطق، مما يضفي طابعًا صوتيًا خاصًا على اللهجة.
تأثير الموقع الجغرافي على تطور اللهجة
تطورت اللهجة الإماراتية بفعل الموقع الجغرافي الاستراتيجي للدولة، حيث شكّلت الإمارات، على مرّ العصور، نقطة التقاء بين الشرق والغرب. وكان للموانئ والمراكز التجارية الكبرى مثل دبي ورأس الخيمة وأبوظبي دور في تواصل المجتمع المحلي مع شعوب مختلفة، أبرزها الهنود، والفرس، والبلوش، والزنجباريين، وغيرهم.
هذا الانفتاح أتاح دخول كلمات جديدة إلى اللهجة الإماراتية، سواء من الفارسية أو الهندية أو الأوردو، مما أضاف بُعدًا لغويًا متنوعًا لها، لكنه في الوقت نفسه خلق تحديات تتعلق بالحفاظ على النقاء الثقافي للمفردات الأصيلة.
ومن مظاهر هذا التداخل:
- كلمات مستوردة استُخدمت في التجارة مثل “بيزه” (نقود صغيرة من الفارسية).
- مفردات في المأكولات والملابس مثل “براتا” أو “جلابية”.
- استخدام أساليب خطاب مختلطة بين العربية الفصحى واللهجة المحلية.
هذا المزج لا يعتبر أمرًا سلبيًا، بل يعكس قدرة المجتمع الإماراتي على التكيّف والتطوّر، لكن مع مرور الوقت، ظهرت الحاجة إلى فرز المفردات المحلية الأصيلة عن تلك الدخيلة أو المُشوّهة.
الامارات 71 | 🇦🇪🇮🇷
مع زيادة الطلب على “#شوكولاتة_دبي” .. صحيفة “بهروز آغا” نقلا عن بيانات هيئة الجمارك الإيرانية: 40% نسبة زيادة صادرات إيران من الفستق إلى الإمارات خلال الأشهر الستة المنتهية في مارس 2025
| #الامارات #دبي #ايران #اقتصاد pic.twitter.com/Kw5vC3NyJH
— الإمارات71 (@UAE71news) April 20, 2025
اللهجة والإعلام: قرارات لحماية الهوية
مع تزايد استخدام اللهجة الإماراتية في الإعلانات والمحتوى الرقمي، خاصة من قبل غير الإماراتيين، لاحظت المؤسسات الرسمية أن هناك تشويهًا متعمدًا أو غير مقصود لهذه اللهجة، سواء من خلال النطق الخاطئ أو السياق غير المناسب أو حتى السخرية من المفردات. وقد دفع هذا مجلس الإمارات للإعلام لاتخاذ قرار مهم، أعلنه رئيسه الشيخ عبدالله بن محمد بن بطي، وهو:
“ألا يتحدث أي شخص عن أي مشروع باللهجة الإماراتية إلا وهو إماراتي ويرتدي الزي الوطني.”
هذا القرار جاء لحماية الهوية الثقافية، وضمان تقديم اللهجة الإماراتية بصورة صحيحة ومحترمة، خاصة عندما يُستخدم المحتوى لأغراض تسويقية، أو في الإعلام الحكومي، أو في منصات التأثير الاجتماعي.
كما شددت النائبة ناعمة الشرهان على أهمية صون اللهجة من التشويه، مشيرة إلى أن الأطفال بدأوا يلتقطون مفردات خاطئة من الإعلانات والمحتوى المرئي، ما يؤدي إلى تشويه مخزونهم اللغوي والثقافي، مؤكدة أن الحفاظ على اللهجة هو جزء من الحفاظ على الهوية الوطنية.
لهجتنا مرآتنا
اللهجة الإماراتية ليست مجرد طريقة للتحدث، بل هي مرآة تعكس قيم المجتمع، وعمق تاريخه، وروح ثقافته. وقد أثبتت السنوات الأخيرة أن انتشار اللهجة في الإعلام والتواصل الرقمي لا يعني دومًا تمثيلها الصحيح، بل قد يكون بداية لضياعها إن لم يتم الحفاظ عليها.
من هنا تأتي أهمية القرارات الحكومية في ضبط استخدام اللهجة، ليس بهدف المنع، بل لحمايتها من الاستخدام السطحي والتجاري المفرط. فحين يتحدث بها غير المتقنين لها، فإن ذلك قد يُفسد صورتها ويُضعف تأثيرها.
والسؤال الذي يُطرح:
هل نحن مستعدون لتحمّل مسؤولية نقل لهجتنا إلى الأجيال القادمة بأمانة واحترام؟
الجواب يبدأ من اليوم… من طريقة حديثنا، ومن احترامنا للغتنا ولهجتنا، ومن حرصنا على أن تكون الهوية الإماراتية حاضرة دائمًا، بصوت إماراتي حقيقي.