في عالم يشهد تغيّرات متسارعة في العلاقات التجارية والاقتصادية بين الدول، بات لسياسات مثل فرض الرسوم الجمركية آثار تتجاوز حدود الدول التي تفرضها. ومن بين الدول التي نجحت في تحويل هذه التحديات إلى فرص استثنائية، تبرز الإمارات العربية المتحدة كلاعب محوري استفاد من التقلبات العالمية لتعزيز مكانته الاقتصادية. نستعرض في هذا التقرير كيف أسهمت حرب الرسوم الجمركية العالمية، وعلى رأسها تلك التي فرضتها الولايات المتحدة، في تعزيز اقتصاد الإمارات، خاصة في ظل توجه الدولة المستمر نحو التنويع والاستثمار في البنية التحتية والقطاعات المستقبلية.
الإمارات بين تحديات حرب الرسوم الجمركية العالمية وفرص النمو
عندما فرضت الولايات المتحدة الأمريكية رسومًا جمركية على العديد من السلع المستوردة في السنوات الماضية، دخل العالم في موجة جديدة من “حرب الرسوم” التي أدت إلى إعادة تشكيل سلاسل الإمداد العالمية، وتحويل دفة التجارة والاستثمار نحو أسواق جديدة. وهنا لعبت الإمارات دوراً محورياً باعتبارها مركزاً عالمياً للتجارة والخدمات اللوجستية، يتمتع بموقع استراتيجي يربط بين آسيا وأوروبا وإفريقيا.
هذا الموقع الجغرافي الفريد، إلى جانب البنية التحتية المتقدمة وبيئة الأعمال المشجعة، مكّن الإمارات من أن تكون بديلاً مفضلاً للشركات التي تسعى إلى تخفيف آثار حرب الرسوم الجمركية من خلال إعادة توزيع مراكزها التجارية. كما أصبحت دبي وأبوظبي محط أنظار كبار المستثمرين والشركات متعددة الجنسيات الراغبة في تأسيس مراكز إقليمية جديدة بعيداً عن التوترات الاقتصادية في مناطق أخرى من العالم.
التنويع الاقتصادي في الإمارات: من النفط إلى التكنولوجيا والاستثمار الذكي
النجاح الإماراتي في الاستفادة من التغيرات في التجارة العالمية لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة لاستراتيجية تنويع اقتصادي بدأتها الدولة منذ عقود، هدفت إلى تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للناتج المحلي. ففي الوقت الذي كانت فيه مساهمة القطاع النفطي تتجاوز 75% من الناتج المحلي قبل خمسين عاماً، انخفضت اليوم إلى أقل من 30% بفضل نمو قطاعات مثل المال، والسياحة، والعقارات، والتكنولوجيا، والطاقة المتجددة.
وقد ساهم هذا التنويع في جعل الاقتصاد الإماراتي أكثر مرونة وقدرة على التكيّف مع المتغيرات العالمية، بما في ذلك حرب الرسوم والحروب التجارية بشكل عام. فعندما تتغير قواعد التجارة الدولية، تكون الدول التي تعتمد على اقتصاد متنوع ومستدام أكثر قدرة على امتصاص الصدمات والاستفادة من الفرص الجديدة، وهو ما تحقق بوضوح في الإمارات خلال السنوات الماضية.
النظام المصرفي والبنية التحتية المالية: دعائم لاستقطاب الاستثمارات
من أبرز مميزات الإمارات في ظل هذه الظروف العالمية المتغيرة هو نظامها المالي المتقدم، الذي يشمل بنوكاً قوية، وصناديق سيادية ذات تأثير عالمي، وأسواقاً مالية نشطة. وفقاً للرئيس التنفيذي لمجموعة “باركليز” العالمية، فإن دبي تعد اليوم مركزاً مالياً عالمياً قادراً على جذب كبريات الشركات والمستثمرين من أنحاء العالم، مستفيداً من بيئة تشريعية مرنة وبنية تحتية ذات معايير عالمية.
مركز دبي المالي العالمي، على سبيل المثال، يقدم نموذجاً ناجحاً لما يمكن أن تقدمه مدينة للقطاع المالي من تسهيلات، سواء عبر الأنظمة القانونية أو التكنولوجيا المالية المتقدمة أو شبكة الربط العالمي. هذا ساعد على جذب رؤوس الأموال والشركات التي تسعى إلى الابتعاد عن تأثيرات حرب الرسوم الجمركية، والبحث عن بيئة استثمارية مستقرة وآمنة.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد سجّلت الإمارات خلال السنوات الأخيرة معدلات عالية من تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي بلغت في عام 2023 ما يقارب 31 مليار دولار، وهي من أعلى النسب في الأسواق الناشئة.
الإمارات تحول التحديات إلى فرص اقتصادية
في الوقت الذي قد ينظر فيه كثيرون إلى “حرب الرسوم” باعتبارها تهديداً للاستقرار الاقتصادي العالمي، أثبتت الإمارات قدرتها على تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتعزيز مكانتها الاقتصادية. فبفضل استراتيجيتها المتقدمة في التنويع، وبنيتها التحتية الحديثة، ونظامها المالي المتطور، أصبحت الدولة واحدة من الوجهات المفضلة للشركات العالمية الباحثة عن ملاذ اقتصادي آمن ومستقر.
وبينما تستمر التوترات التجارية بين القوى الكبرى، من المرجح أن تستفيد الإمارات بشكل متزايد من مكانتها كمركز محوري في قلب التجارة العالمية، خاصة مع استمرارها في الاستثمار في التقنيات المستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة، ما يجعلها على أعتاب مرحلة جديدة من النمو المستدام والتأثير الإقليمي والدولي.
“أبوظبي للتنقل” يعلن تخفيض السرعة على طريق “الشيخ خليفة بن زايد” بدءاً من 14 إبريل