تحول مصطلح “AI” الذي يرمز إلى الذكاء الاصطناعي، إلى مسار للجدل في الأوساط التقنية والعلمية والاجتماعية خلال السنوات الأخيرة،
بين فريق تغلب عليه نظرة تشاؤمية يرى أنه سيكون بديلًا للإنسان، وسيؤدي إلى إلغاء الكثير من الوظائف التقليدية ومن ثم زيادة نسب البطالة،
فضلًا عن استخدامه في الجرائم، وفريق يغلّب نبرة التفاؤل، ويؤمن أن الذكاء الاصطناعي من صنع الإنسان،
وما هو إلا مرحلة من مراحل التطور التقني يمكن توظيفها لخدمة ورفاهية البشرية.
وبينما لا يزال الجدل محتدمًا بين الفريقين في الواقعين الحقيقي والافتراضي، سعت دولة الإمارات مبكرًا إلى خوض غمار
هذه التقنية المثيرة وسارعت إلى طرق أبواب المستقبل دون أن تنتظر حتى يفاجئنا بما قد يحمله من خير أو شر.
خطوات دولة الإمارات نحو الذكاء الاصطناعي
لم يكن اهتمام دولة الإمارات بتقنيات الذكاء الاصطناعي وليد الصدفة أو شيئًا جديدًا على الحكومة الإماراتية، ولكن ولد
من رحم التوجه العام لسياسة الدولة نحو أوجه التقنية المختلفة،
والذي بدأته دولة الإمارات قبل عدة عقود، من خلال الاهتمام الحكومي بعلوم الفضاء وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك العلوم الحيوية،
والطاقة النووية، سواء في الحقل التعليمي أو الواقع التطبيقي أو على صعيد الإدارة الحكومية.
وتعد دولة الإمارات في طليعة الدول التي سارعت إلى هذه التقنية الجديدة، لتحتل مراكز متقدمة جدًا بين دول العالم في هذا المضمار، وهو ما برز من خلال الحقائق التالية على سبيل المثال لا الحصر:
1 – أطلقت استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي عام 2017 لخدمة العديد من القطاعات الحيوية في الدولة مثل التعليم والنقل والصحة وغيرها.
2 – إطلاق العديد من الأدوات والمؤسسات الحكومية التي تستهدف إرساء دعائم هذه التقنية الجديدة في كافة أرجاء الدولة، ومنها البرنامج الوطني للذكاء الاصطناعي، ومجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي، ومجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة.
3 – عينت أول وزير للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم في عام 2017.
4 – خصصت أول جامعة لبحوث الذكاء الاصطناعي في 2020.
5 – أطلقت عدة إصدارات من نموذج “فالكون” للذكاء الاصطناعي، وهو نموذج لغوي ضخم ينافس بل ويتفوق على نظرائه من النماذج الصادرة عن كبرى الكيانات العالمية في ذلك المجال.
استثمارات إماراتية ضخمة واقتصاد واعد
أطلقت دولة الإمارات عدة مشروعات استثمارية ضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي، في إطار جهود الدولة لتحقيق الاستفادة التقنية والاقتصادية من أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، بما يوفر العديد من فرص العمل
التي تخلقها هذه التقنية الجديدة، تبديدًا لمخاوف المتشائمين من عمل الذكاء الاصطناعي على إنهاء بعض الوظائف.
أحدث هذه الاستثمارات ما أعلنه مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة عن تأسيس شركة “إم جي إكس”؛
وهي شركة استثمار تكنولوجي، تهدف لتمكين وتطوير وتوظيف التكنولوجيا الرائدة، بهدف تحسين حياة الأجيال الحالية والمستقبلية، والتي تستثمر بهدف تسريع تطوير واعتماد الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، من خلال الدخول في شراكات في دولة الإمارات والعالم.
وفي شهر أبريل الماضي،
أعلنت شركة G42 القابضة الإماراتية المتخصصة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وشركة مايكروسوفت، عن استثمار استراتيجي قدره 1.5 مليار دولار من “مايكروسوفت” في “G42”.
وقبل نحو شهرين، أجرت شركة “إم جي إكس” الاستثمارية في أبوظبي مناقشات أولية بشأن صفقة تمويل لمشروع يتعلق بصناعة الرقائق، في خطوة تهدف إلى تعزيز دور الدولة العالمي في تطوير الذكاء الاصطناعي.
تطور حضاري يحتضن تقنيات الذكاء الاصطناعي
عملت حكومة دولة الإمارات على توفير الأرض الخصبة وتهيئة المناخ الملائم لاحتضان التطورات التقنية المختلفة خلال العقود الماضية،
بدءًا من شبكات الإنترنت والاتصالات أواخر القرن الماضي، وحتى ظهور تقنيات الذكاء الاصطناعي قبل عدة سنوات،
حيث تصدرت الدولة بلدان العالم في سرعة الإنترنت
عبر شبكة الهاتف المتحرك، وجاءت في المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط في سرعة النطاق العريض الثابت.
وتصدرت أبوظبي مدن العالم في سرعة “النطاق العريض” الثابت، بينما تصدرت دبي مدن العالم في سرعة الإنترنت المتحرك، بحسب مؤشر شركة “Ookla” العالمية المتخصصة في اختبار سرعة الإنترنت.
وبعد الإنجازات الضخمة التي حققتها دولة الإمارات في مجالات البنية التحتية التي وفرتها لتحقيق الريادة التكنولوجية،
جاء إطلاق استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي ترتكز على عدة محاور رئيسية تهدف إلى تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل.
الذكاء الاصطناعي.. حاضر ومستقبل القطاعات الحيوية في الدولة
لا يمثل الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات تقنية ترفيهية أو ترفًا علميًا، ولكنه أصبح واقعًا يفرض نفسه على العديد من القطاعات،
ويشكل جانبًا محوريًا في حاضر ومستقبل أغلب المجالات الحيوية على الرغم من حداثة هذه التقنية على المستوى العالمي.
في مجال التعليم، كشفت نتائج دراسة بحثية عالمية أن الطلبة الإماراتيين هم الأكثر استخدامًا للذكاء الاصطناعي التوليدي،
كما أثبتت المؤسسات التعليمية في دولة الإمارات جاهزيتها لتوظيف تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرات ومهارات جيل المستقبل
والارتقاء بتجربة التعليم، مستفيدة من بنية تحتية غنية بالبيانات وقنوات التواصل المتقدمة.
وأيضا في التعليم الجامعي أُنشئت جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وهي أول جامعة على مستوى العالم للدراسات العليا المتخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي
، والاستفادة من التقنيات الحديثة، بالإضافة إلى عدد من الكليات والجامعات العريقة في الدولة التي تنفذ وتطبق المناهج الحديثة.
وفي الحقل الصحي، استخدمت دولة الإمارات الذكاء الاصطناعي في أغراض التشخيص والعلاج والعمليات الجراحية والرعاية الوقائية وغيرها،
كما وقَّعت دائرة الصحة أبوظبي مؤخرًا، مذكّرة تفاهم مع جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، بهدف إطلاق أكاديمية عالمية للذكاء الاصطناعي للرعاية الصحية في الإمارة.
وفي مجال النقل أطلقت هيئة الطرق والمواصلات منصة مؤسسية متكاملة لتصميم وتطوير حلول الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.
خطوات مدروسة ومحسوبة
وفي ضوء الوقائع التي استعرضتها السطور السابقة، فإن مستقبل الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات يبدو الأكثر إشراقًا بين نظرائه في دول العالم،
والتي لا تزال الكثير منها تنظر بعين الخوف إلى هذه التقنية الوليدة،
كما تقف أخرى موقف الشك في قدرتها على السيطرة
على الجانب المظلم من هذه التقنية.
وأخيرًا يجب التنويه بدور قادة دولة الإمارات في الإقدام بقوة والمسارعة بخطوات مدروسة ومحسوبة نحو هذه التقنية التي
ستحتل مساحة كبرى في مستقبل البشرية خلال السنوات القليلة المقبلة.
الذكاء الاصطناعي ومستقبل قطاع النشر: محور نقاشات معرض أبوظبي الدولي للكتاب