في تصعيد عسكري جديد يحمل رسائل سياسية حازمة، استهدف الجيش الأمريكي، منصة الوقود في ميناء رأس عيسى اليمني، الذي تسيطر عليه جماعة الحوثي، في ضربة تهدف إلى قطع شريان اقتصادي رئيسي يُموّل عمليات الجماعة المسلحة. وتُعد هذه الخطوة تحولًا في نهج واشنطن، من التحذير إلى الفعل، ما يُسلّط الضوء على الأهمية المتزايدة للبعد الاقتصادي في الصراع اليمني.
الوقود: سلاح اقتصادي واستراتيجي في يد الحوثيين
لم يأتِ استهداف الجيش الأمريكي لمنصة الوقود في ميناء رأس عيسى من فراغ، بل جاء نتيجة تتبع دقيق للدور المحوري الذي يلعبه الوقود في تمويل آلة الحرب الحوثية. في الوقت الذي يُعاني فيه الشعب اليمني من أزمات إنسانية خانقة، تستغل الجماعة الحوثية تجارة الوقود كمصدر دخل رئيسي لتمويل عملياتها العسكرية، وتفرض على هذه التجارة نظامًا اقتصادياً موازياً يخدم مصالحها، بعيدًا عن الرقابة القانونية أو الإنسانية.
الوقود بالنسبة للحوثيين لم يكن مجرّد سلعة، بل أصبح أداة للتحكم والسيطرة. فبفضل تحكّمهم بمنافذ الاستيراد، يفرضون رسومًا باهظة، ويديرون شبكات توزيع خاصة بهم، ما يساهم في خلق سوق سوداء تُدر عليهم ملايين الدولارات شهرياً. هذه العائدات لا تُستخدم لتحسين الخدمات أو دعم الاقتصاد المحلي، بل تُحوّل لشراء الأسلحة، وتمويل الحملات الدعائية، وصرف مرتبات المقاتلين، وتعزيز النفوذ العسكري في مناطق الصراع.
أظهرت تقارير المنظمات الدولية أن الحوثيين يجنون أرباحًا ضخمة من استيراد الوقود عبر ميناء رأس عيسى، وقد ساهمت هذه الأرباح في استمرار الحرب وعرقلة كل جهود السلام. وهو ما دفع واشنطن إلى اعتبار هذا الميناء هدفًا مشروعًا، ليس فقط من الناحية العسكرية، بل من زاوية استراتيجية تهدف إلى ضرب الاقتصاد الحربي للجماعة في مقتل.
الجيش الأميركي يعلن تدمير ميناء رأس عيسى النفطي على ساحل البحر الأحمر في اليمن، ضمن خطة لقطع الإمداد والتمويل عن الحوثيين#نكمن_في_التفاصيل pic.twitter.com/EgXdtiN9lw
— Independent عربية (@IndyArabia) April 18, 2025
الجيش الأمريكي يوجّه ضربة حاسمة: لا تساهل مع تمويل الإرهاب
جاءت ضربة الجيش الأمريكي في سياق تصاعدي من الإجراءات التي اتخذتها واشنطن ضد الحوثيين منذ إعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية أجنبية في مطلع أبريل الجاري. وفي الوقت الذي يُطالب فيه المجتمع الدولي بضرورة وقف إطلاق النار والعودة للمفاوضات، اختارت الولايات المتحدة اتباع سياسة “الضغط المركّب” التي تجمع بين الضغوط السياسية والاقتصادية والعمليات العسكرية المحدودة.
وفي بيان رسمي، أكدت القيادة المركزية الأمريكية أن هذه الضربة تهدف إلى حرمان الحوثيين من أحد أهم مصادر تمويلهم غير المشروع، وتحذير كل من يساهم أو يتعاون معهم في تمرير شحنات الوقود من أنهم أصبحوا أهدافًا محتملة. وأضاف البيان أن الوقود يجب أن يصل إلى الشعب اليمني بطرق شرعية، ومن خلال قنوات حكومية، وليس عبر شبكة من المهربين وتجار الحرب.
كما شددت واشنطن على أن السيطرة الحوثية على الموانئ اليمنية تُشكّل تهديدًا مباشرًا لأمن الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وتُهدد استقرار المنطقة بأسرها، في ظل توسّع نطاق هجمات الحوثيين لتشمل أهدافًا خارج حدود اليمن، وهو ما جعل استهداف البنية التحتية الاقتصادية للجماعة أولوية استراتيجية.
الجيش الأمريكي في رد فعل حاسم: ترقّب وحذر دولي بعد الضربة لميناء رأس عيسى
أثارت الضربة التي نفّذتها الولايات المتحدة، موجة من الترقب في العواصم الإقليمية والدولية، لا سيّما الدول الراعية للسلام في اليمن، والتي كانت تأمل في استمرار التهدئة رغم هشاشتها. وقد اعتبرها البعض خطوة تصعيدية تهدد بتفجير الأوضاع مجددًا، فيما رآها آخرون تحركًا ضروريًا لوقف تمادي الحوثيين، وردعهم عن استغلال الموانئ لتحقيق مكاسب عسكرية على حساب الشعب اليمني.
في السياق ذاته، لم تصدر بعد ردود فعل رسمية من جماعة الحوثي، لكن من المتوقع أن تحاول الجماعة استثمار هذا الحدث إعلاميًا لتأليب الرأي العام ضد الجيش الأمريكي والولايات المتحدة، وتصوير الضربة كاعتداء على السيادة اليمنية، متناسية أنها هي من حوّلت ميناءً مدنيًا إلى نقطة تمويل وتموين للمجهود الحربي.
في المقابل، يُنتظر أن تعزز هذه الخطوة التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، لقطع طرق التمويل والإمداد على الجماعة، وتكثيف الضغط عليها لإجبارها على الدخول في عملية سياسية شاملة.
تُجسد ضربة الجيش الأمريكي لميناء رأس عيسى تحوّلًا في قواعد الاشتباك مع جماعة الحوثي، حيث أصبحت المصالح الاقتصادية المشبوهة أهدافاً مشروعة في إطار الحرب ضد الإرهاب. إن الولايات المتحدة، من خلال هذا التحرك، تبعث برسالة واضحة إلى الحوثيين ومن يدعمهم مفادها: لا مكان بعد اليوم لتمويل الإرهاب من خلف ستار التجارة. وإذا لم تتوقف هذه الممارسات، فإن الرد لن يكون دبلوماسيًا فقط، بل عمليًا ومباشرًا، وموجّهاً لأهم مصادر الدعم اللوجستي والمالي.