منذ فجر الحضارة، سعى الإنسان إلى ابتكار أدوات تعينه على فهم العالم من حوله وتسهل حياته، فاكتشف النار، واخترع الكتابة، ثم كانت الثورة الصناعية، وصولًا إلى ثورة المعلومات
في عالمنا العربي، تبرز دولة الإمارات كأسرع الحضارات تطورًا وتحضرًا، من الصحراء ضيقة الموارد، وصولًا إلى الرحلات
نحو الفضاء الشاسع، وجذب الاستثمارات العالمية في وقت قياسي، والريادة في مجالات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
أدركت دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية التكنولوجيا في رسم مستقبلٍ مزدهرٍ لأجيالها، فاتخذت الذكاء الاصطناعي مفتاحًا لمستقبلٍ مشرقٍ للأجيال القادمة،
لا مجرد تقنيةٍ عابرة. لذلك تولي الدولة اهتمامًا كبيرًا بتطوير مهارات الشباب في هذا المجال وتشجع على تأسيس شركاتٍ ناشئةٍ فيه.
الطموح مفتاح الريادة
رحلة الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات لم تكن وليدة اللحظة، بل تأتي نتاج رؤية ثاقبة واستراتيجية مدروسة. ففي عام 2017، أطلقت الحكومة الإماراتية “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031” بهدف تحويل الدولة إلى مركز عالمي رائد في هذا المجال.
وحددت الاستراتيجية الإماراتية 2031 عدة محاور رئيسية للعمل، تضمنت إنشاء البنية التحتية الرقمية المتطورة
والمتقدمة لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي،
وجمع البيانات وتحليلها بشكل فعال لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، ودمج التقنية في مختلف القطاعات الحيوية مثل الرعاية الصحية والتعليم والنقل،
ودعم البحث والتطوير في هذا المجال، وتطوير مهارات القوى العاملة فيه، وتحسين الأنظمة والقوانين التي تنظم استخدام الذكاء الاصطناعي، وتضمن استخدامه بشكل احترافي وأخلاقي ومسؤول.
أثمرت جهود دولة الإمارات ثمارًا طيبة، فباتت اليوم في مقدمة الدول العربية والعالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث تطبق تقنياته في مختلف القطاعات،
من النقل والتعليم إلى الرعاية الصحية وإدارة المرافق العامة، وإنجاز المعاملات الحكومية عبر تطبيقات مؤسسات الدولة.
وتبرز عدة تطبيقات تمثل ثورة متسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنية في دولة الإمارات، منها:
- نظام “ماكسي” للتعرف على الوجه في مطار دبي الدولي.
- خدمة “سالك” لجمع رسوم المرور إلكترونيًا.
- نظام “تنز” لإدارة مواقف السيارات.
- تطبيق “سعيدي” لتقديم خدمات حكومية ذكية.
- نظام “روبو коп” لمراقبة الأمن في الأماكن العامة.
استخدامات ثورية للذكاء الاصطناعي
لا تقتصر استخدامات الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات على مجرد تحسين الخدمات الحكومية،
بل تسخر هذه التكنولوجيا لابتكار حلولٍ تعالج تحدياتٍ حقيقية وتساهم في تحسين حياة المواطنين.
في مجال الرعاية الصحية:
تُستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتشخيص الأمراض بدقةٍ متناهية، مثل استخدام تقنية التعلم العميق لتحليل الصور الطبية وتحديد الأورام السرطانية بدقةٍ تفوق قدرة الأطباء.
تطوير أدويةٍ جديدة، حيث يتم استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي لاكتشاف مركباتٍ جديدةٍ لها خصائص علاجية.
تقديم رعايةٍ صحيةٍ مخصصةٍ لكل فرد، مثل استخدام التقنية لتحديد أفضل خطة علاجيةٍ لكل مريضٍ بناءً على متغيرات بياناته الصحية.
في مجال التعليم:
في مجال التعليم:
تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي على تخصيص المناهج الدراسية لكل طالب، وتحديد عوامل الإبداع، بناء على جمع معلومات الميول العلمية وتحليلها، وتصميم المناهج الدراسية، بحيث تكون ديناميكية بما يكفي للتوافق مع ذلك المبدأ.
توفير الدعم الفوري للطلاب الذين يواجهون صعوباتٍ في التعلم، من ذوي الهمم، حيث تقوم الدولة بتطوير تقنيات التواصل مع الحاسوب عبر تطبيقات ذكية، تمكن هؤلاء الأفراد من تلقي المعلومة والتفاعل معها، بما يضمن إنجاز المهام الرقمية.
تحسين كفاءة العملية التعليمية، واستخدام التقنية في تصحيح الأوراق وسبر المعلومات، وتقييم أداء الطلاب.
في مجال النقل:
تعمل دولة الإمارات على توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تقليل الازدحام المروري، وتحسين أنظمة الإشارات الضوئية، والتحكم بحجم ومدة عبور السيارات بناء على مراقبة وقراءة كمية الازدحام، وحجم التدفق.
تحسين كفاءة وسائل النقل العام، مثل استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لتحديد أفضل المسارات للحافلات والقطارات، بالإضافة إلى تسهيل جباية أجور النقل عبر نوافذ الدفع الآلية.
إتاحة القيادة الذاتية، مثل تطوير سياراتٍ ذاتية القيادة تمكن من التنقل بشكلٍ آمن وفعال، والانطلاق بمشروع التكسي الطائرة، والبدء بتجهيز البنية التحتية للتقدم بالمشروع، وبدء عمليات التشغيل بحلول عام 2025.
في مجال الخدمات الحكومية:
تسهيل تقديم الخدمات الحكومية للأفراد، واستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لتقديم طلبات تجديد جوازات السفر والرخص التجارية إلكترونيًا.
تحسين كفاءة العمل الحكومي، واستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات والتنبؤ بالمشكلات وتداركها قبل حدوثها.
تعزيز الشفافية والمساءلة، ومراقبة أداء الموظفين الحكوميين وضمان التزامهم باللوائح والقوانين.
دولة الإمارات مركز عالمي للتقنية
لا تكتفي دولة الإمارات بتحقيق الريادة على الصعيد الإقليمي، بل تسعى إلى أن تكون مركزًا عالميًا للذكاء الاصطناعي،
حيث توفر بيئةً استثماريةً جاذبةً للشركات العالمية الرائدة في هذا المجال، وتنظم مؤتمراتٍ وفعالياتٍ دوليةً لمناقشة آخر التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي،
ووضع الأسس والقواعد الناظمة لهذا المجال، والتي تسهل استخدامه وتطويره. حيث تتيح دولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي فرصًا عظيمةً منها:
- خلق فرصٍ اقتصاديةٍ جديدةٍ، وتتمثل في جذب الاستثمارات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتأسيس شركاتٍ ناشئةٍ في هذا المجال،
وخلق فرص عملٍ جديدةٍ للشباب، وتعزيز النمو الاقتصادي. - تحسين جودة حياة الأفراد، وتتمثل في تقديم خدماتٍ حكوميةٍ ذكيةٍ وفعالةٍ، وتحسين الرعاية الصحية، وتعزيز التعليم،
وتوفير بنية تحتيةٍ رقمية، وتحسين السلامة العامة. - التغلب على التحديات العالمية مثل تغير المناخ والفقر، وتتمثل في تطوير تقنياتٍ جديدةٍ لمكافحة تغير المناخ،
وتحسين الوصول إلى المياه والطاقة، ومكافحة الأزمات الإنسانية في الدول الفقيرة، وتعزيز السلام العالمي. - تطوير مكانة دولة الإمارات كمركزٍ عالميٍ للابتكار، وجذب أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم، وتعزيز التعاون الدولي في مجال الذكاء الاصطناعي،
والمساهمة في تطوير المعرفة العالمية، وبناء مستقبلٍ أفضلٍ للبشرية.
وأطلقت دولة الإمارات حزمة من المبادرات لتشجيع الاستثمارات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، ودعم هذه التقنية واستخداماتها، ومنها:
- “برنامج الإمارات للذكاء الاصطناعي” الذي يقدم تمويلاتٍ للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي.
- “منطقة الذكاء الاصطناعي” المخصصة في مدينة خليفة الصناعية، في إمارة أبوظبي التي توفر بيئةً مثاليةً لعمل الشركات العالمية في مجال التقنية.
- “جائزة الإمارات للذكاء الاصطناعي” التي تمنح لأفضل الابتكارات والشركات والأفراد الرواد في هذا المجال.
مسيرة دولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي ليست مجرد تجربة مبهرة، بل هي رحلة طموحٍ وقصة إرادةٍ ورؤيةٍ ثاقبةٍ لمستقبلٍ أفضل وأسهل، يواكب التطور الحضاري المتسارع. وفي ظل قيادةٍ حكيمةٍ وشعبٍ متحمسٍ،
تواصل دولة الإمارات خطواتها بثباتٍ نحو تحقيق الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي،
لتصبح منارةً للإبداع والتقدم، تحث الخطى من أجل مستقبل واعد ومشرق، في عالم يتطور بسرعةٍ فائقة.
الذكاء الاصطناعي ومستقبل قطاع النشر: محور نقاشات معرض أبوظبي الدولي للكتاب